معرفة

بسبب التنافس على السلطة: أشهر قصائد المعارضة عند العرب

تاريخياً، أنشد شعراء العرب قصائد نددوا فيها بالسلطات السياسية الحاكمة، اشتهرت على مر القرون وأضحت مرجعاً لفهم تاريخ المعارضة السياسية في الإسلام.

future لوحة مجلس عربي، بريشة هوراس فرنييه (1834)

عرف العرب الشعر منذ فترة موغلة في القدم وعبروا من خلاله عن أحلامهم وأوجاعهم، وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والدينية حتى قيل، إن «الشعر ديوان العرب».

في كثير من الحالات أنشد شعراء العرب قصائد نددوا فيها بالسلطات السياسية الحاكمة. اشتهرت تلك القصائد على مر القرون. وأضحت سجلاً ومرجعاً لفهم تاريخ المعارضة السياسية في الإسلام.

الحطيئة وسلطة قريش

اشتهر الشاعر جرول بن أوس بن مالك أبو مليكة العبسي بلقبه الأشهر الحطيئة، وعرف به بين الناس حتى غلب على اسمه الأصلي.

كان الحطيئة من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا شطراً من حياتهم في الجاهلية، كما عاشوا لفترة أخرى في الإسلام. بحسب المصادر التاريخية التي ترجمت له، فقد أسلم الحطيئة في السنوات الأخيرة من حياة النبي.

وقد ذاعت أشعاره في مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية، حتى عد من بين كبار الشعراء في زمنه. وفي ذلك المعنى يقول أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني»، إن الحطيئة كان «من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم في جميع فنون الشعر، من المديح والهجاء والفخر والنسيب، مجيداً في ذلك أجمع...».

بعد وفاة النبي مباشرة ارتد الحطيئة مع جموع المرتدين الذين رفضوا الخضوع للسلطة القبلية القريشية الممثلة في خلافة أبي بكر الصديق. في تلك الفترة، أنشد الحطيئة مجموعة من الأبيات الشعرية التي عبرت عن وجهة النظر القبلية المعارضة لحكم قريش. من أشهر تلك الأبيات قوله:

«أطعنا رسول الله إذ كان حاضراً... فيا لهفتي ما بال دين أبي بكر

أيورثها بكراً إذا مات بعده... فتلك، وبيت الله، قاصمة الظهر!»

على الرغم من رفضه سلطة أبي بكر عاد الحطيئة مرة أخرى لاعتناق الدين الإسلامي بعد أن قامت جيوش المسلمين بالقضاء على حركات المعارضة المنتشرة. وعاش بعدها في المجتمع الإسلامي، وشارك في غزو بلاد فارس. وبقيت الأبيات التي أنشدها وقت ردته مفتاحاً مهماً لفهم الأبعاد القبلية والاجتماعية المرتبطة بحركة الردة.

أعشى همدان والحجاج بن يوسف الثقفي

عرف عبدالرحمن بن عبدالله بن الحارث بن نظام بن جشم بلقبه الأشهر أعشى همدان. وكان من كبار الشعراء في القرن الأول الهجري. ووصفه شمس الدين الذهبي في سير أعلام النبلاء بأنه "كان متعبداً فاضلاً، ثم عبث بالشعر...».

خاض الأعشى عديداً من الحروب والغزوات كفارس في صفوف جيوش الدولة الأموية. وفي سنة  80ه، ثار بصحبة عبدالرحمن بن الأشعث ضد والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي. في هذا السياق أنشد الأعشى بعض القصائد ضد الحجاج والأمويين. ومن أشهرها القصيدة التي بدأها بقوله:

«من مبلغ الحجاج أن... ني قد ندبت إليه حربا

حرباً مذكرةً عوا... ناً تترك الشبان شهباً

وصفقت في كف امرئ... جلد إذا ما الأمر غبا»

يقول أعشى همدان أيضاً في تلك القصيدة:

«نبئت حجاج بن يو... سف خر من زلق فتبا

فانهض فديت لعله... يجلو بك الرحمن كربا

فإذا جعلت دروب فا... رس خلفهم درباً فدربا

فابعث عطيةً في الخيو... ل يكبهن عليه كبا»

 في سنة  83ه، هزم ابن الأشعث وأعشى همدان على يد الحجاج في مكان بين الكوفة والبصرة يسمى دير الجماجم. ووقع الأخير بعدها أسيراً ليقتل على يد الحجاج.

دعبل الخزاعي والمعتصم بالله

ولد الشاعر أبو علي محمد بن علي بن رزين بن ربيعة، المعروف بدعبل الخزاعي في الكوفة في سنة 148ه. عرف دعبل بتشيعه للأئمة المنحدرين من نسل علي بن أبي طالب، كما اشتهر بهجائه للخلفاء العباسيين المعاصرين له.

كانت القصيدة التي وجهها دعبل الخزاعي للخليفة العباسي المعتصم بالله هي أشهر قصائده على الإطلاق. يحكى أن المعتصم لما سمع بما ورد في هذه القصيدة استشاط غضباً وأمر بإلقاء القبض على دعبل. ولكن الأخير تمكن من الهروب من قبضة العباسيين، وتنقل من مكان إلى آخر حتى مات في طوس بإيران بعد فترة.

مما جاء في تلك القصيدة:

«لكن كما قال الذين تتابعوا... من السلف الماضين إذا عظم الخطب

ملوك بني العباس في الكتب سبعة... ولم تأتنا عن ثامنهم كتب

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة... كراماً إذا عدوا وثامنهم كلب

واني لأعلي كلبهم عنك رفعةً... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب»

على الرغم من الطابع الساخر الذي حملته أبيات القصيدة، فقد احتفظت لنا بصورة واضحة للسجال المذهبي السني الشيعي الذي دار في أواسط القرن الثاني الهجري.

أبو الطيب المتنبي وكافور الأخشيدي

ولد الشاعر أحمد بن الحسين الجعفي الكندي المشهور بأبي الطيب المتنبي في الكوفة في سنة 303ه. وأخذ مكانة في التاريخ الإسلامي باعتباره واحداً من أهم شعراء العربية على مر القرون.

عاش المتنبي شطراً من حياته في كنف الأمير سيف الدولة الحمداني في حلب، ثم تركه وسافر إلى مصر ليلتحق بخدمة حاكمها كافور الإخشيدي. على الرغم من العلاقة القوية التي جمعت بين المتنبي وحاكم مصر فإن حبل المودة المنعقد في ما بينهما انقطع في نهاية الأمر. اضطر المتنبي إلى مغادرة مصر وألف بعض القصائد في هجاء كافور. اشتهرت تلك القصائد كثيراً في الأدب العربي لما ورد فيها من سخرية لاذعة. مما جاء في تلك القصائد

«أكلما اغتال عبد السوء سيده… أو خانه فله في مصر تمهيد

صار الخصي إمام الآبقين بها… فالحر مستعبد والعبد معبود

نامت نواطير مصر عن ثعالبها… فقد بشمن وما تفنى العناقيد

العبد ليس لحر صالح بأخ… لو أنه في ثياب الحر مولود

لا تشتر العبد إلا والعصا معه… إن العبيد لأنجاس مناكيد

ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن… يسيء بي فيه كلب وهو محمود»

إضافة إلى أهميتها الكبيرة في ميادين الشعر والسياسة، عبرت تلك القصيدة عن نظرة قطاع واسع من المجتمع الإسلامي لوصول العبيد -الممثلين في شخص كافور الأخشيدي- إلى السلطة في تلك الفترة.

ابن هانئ الأندلسي والعباسيون

ولد أبو القاسم محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي في سنة326ه في إحدى قرى إشبيلية بالأندلس. أعلن ابن هانئ عن ميوله الشيعية الموالية لإمامة الأئمة المنحدرين من نسل علي بن أبي طالب. من هنا، عرف بانتقاده الدائم للسلطتين السنيتين في عصره. وهما الخلافة العباسية في العراق، والخلافة الأموية في الأندلس على الترتيب.

على مر السنوات، اشتهر ابن هانئ بأشعاره المتميزة. وفي ذلك قال ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: «...وليس في المغاربة من هو في طبقته: لا من متقدميهم ولا من متأخريهم، بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة، وكانا متعاصرين...».

بشكل عام، وظف ابن هانئ مهارته الشعرية في مدح الخلافة الفاطمية. في هذا السياق، وفد على الخليفة المعز لدين الله الفاطمي في عاصمته في مدينة المنصورية بالمغرب ومدحه في قصيدة طويلة. من جهة أخرى، أظهر الشاعر الأندلسي فرحه لما بلغه فتح الفاطميين لمصر. فقال مظهراً الشماتة في بني العباس:

«تقول بنو العباس هل فتحت مصر... فقل لبني العباس قد قضي الأمر

وقد جاوز الإسكندرية جوهر... تطالعه البشرى ويقدمه النصر»

وفي قصيدة أخرى، قال ابن هانئ مهاجماً الأفكار التي قامت عليها الخلافة العباسية:

«أفي ابن أبي السبطيــن أم في طليقكم... تنزلت الآيــــــــــــات والسور الغر

بني نثــــــــــــــــلة ما أورث الله نثلةً...  وما ولدت هــل يستوي العبد والحر

وأنى بهذا وهــــــــــــي أعدت برقها...  أباكم فإيـــــــــاكم ودعوى هي الكفر

ذروا الناس ردوهم إلى من يسوسهم... فما لكم في الأمر عــــــرف ولا نكر

أسرتم قروماً بالعـــــــــــــراق أعزةً...  فقد فك من أعنـــــــــاقهم ذلك الأسر»

في سنة 362ه، كتبت كلمة النهاية لسيرة ابن هانئ، بعدما وجد مقتولاً في برقة أثناء سفره متوجهاً للقاء الفاطميين بمصر. وقتها، أظهر المعز لدين الله أسفه وحزنه على مقتل أقرب شعرائه إلى نفسه. وقد اختلفت الآراء حول هوية القاتل.

يرجح الباحث الشيعي المعاصر محسن الأمين في كتابه «أعيان الشيعة» أن يكون الأمويون هم المحرضين على اغتيال ابن هانئ «فلا يبعد أن يكون بعضهم قد استعمل الحيلة في قتله بإنزاله معه ضيفاً وفتكه به...».

أبو بكر بن عمار والمعتمد بن عباد

ولد محمد بن عمار بن الحسين بن عمار المهري القضاعي المعروف بأبي بكر بن عمار في سنة 422ه في الأندلس. واشتهر بتميزه في مجالات الشعر والأدب، وتنقل بين عديد من المدن الأندلسية حتى استقر به المقام بإشبيلية بعدما اتصل بخدمة حاكمها المعتمد على الله بن عباد. مع مرور السنوات، توثقت الصلة بين المعتمد وابن عمار. وعين الأخير في وظيفتي السفارة والوزارة، ولقب بذي الوزارتين. كما حظي بمكانة مرموقة في البلاط الإشبيلي.

في سنة 471ه، تغير الوضع بعدما خرج ابن عمار على المعتمد، واستقل بحكم مدينة مرسية. وفي تلك الفترة أنشد ابن عمار عدداً من القصائد التي تنكر فيها لسيده القديم، فهجاه وانتقده بسبب شغفه بزوجته اعتماد الرميكية. من أشهر تلك القصائد، قوله:

«أيا فارس الخيل يا زيدها... حميت الحمى وأبحت العيالا

أراك توري بحب النسا... ء وقدماً عهدتك تهوى الرجالا

تخيرتها من بنات الهجا... ن رميكية ما تساوى عقالا

فجاءت بكل قصير العذا... ر لئيم النجارين عماً وخالا

بصفر الوجوه كأن استها... رماهم فجاؤوا حيارى كسالا

سأكشف عرضك شيئاً فشي... ئاً وأهتك سترك حالا»

في سنة 477ه، أسدل الستار على قصة ابن عمار وهجائه للمعتمد، وذلك بعدما قبض على الأول وقام ملك إشبيلية بقتله بيده في ساحة قصره المنيف. من جهة أخرى، ألقت أشعار ابن عمار في انتقاد المعتمد الضوء على الطبيعة السياسية المتقلبة التي عاشتها الأندلس في عصر ملوك الطوائف في القرن الخامس الهجري. ومن ثم فقد حظيت -أي تلك الأشعار- باهتمام عديد من المؤرخين والباحثين على مر القرون.

# أدب # شعر # تاريخ

بين الحزن والانتظار: فيروزية المشرق ومشرقية فيروز
«معركة خلدة»: عن الهزائم التي تلد انتصارات
هدد بقاء الإمبراطورية: التعصب الرياضي في القسطنطينية

معرفة